فن صناعة التاريخ……… ( السوداني في واشنطن )
سعد الأوسي
على مدى عقود دموية عديدة دفع العراق اثماناً باهضة بسبب اوهام القوة والتحديات والبطولات العنترية الكاذبة ومعارك اللاجدوى التي هدرت الدماء واضاعت الثروات وهجّرت الناس واودت بالبلد الى دَركِ التخلف والفقر واليأس والضياع ليس لشئ سوى لان بعض قادتنا الاغبياء العنجهيين حلموا بان يدخلوا التاريخ على اقفيتنا ويكتبوا اسماءهم فيه بدمائنا ومستقبل ابنائنا ليس الاّ !!!.
حتى بعد ان زالت الدكتاتورية وظننا ان أوان الراحة والامان والرفاهية والسلام قد آن واننا مقبلون على ربيع زاهر طويل، ظهرت في قياداتنا الجديدة ذات النزعة في الاستقواء والتحدي بالدم وفرض ارادة (الأنا) الطاغية مهما فدح الثمن.
اعتقد انه وباء (الكرسي) كرسي الحكم الذي يُليث ُعقول الحاكمين فيضع في نفوسهم شعور العظمة والاقتدار المطلق حدّ كن فيكون والعياذ الله ، فيستسهلون اللعب بدمائنا و تبديد ثرواتنا والعبث بمستقبلنا الى اقصى المجهول ، لانهم عظماء ملهمون من السماء مخصوصون بالبركة الإلهية لا يخطؤون، فان اخطأوا فخطأهم اصحّ من صوابنا وجهلهم احكم من حكمتنا ومن يعترض فليذهب الى الجحيم.
لا ريب ان اسماء هؤلاء (الافذاذ) تتجلى في اذهانكم الان وانتم تقرؤون هذه السطور بينما تزكم انوف ذاكراتكم روائح خيباتهم و عطن جرائمهم العصية على النسيان.
ثم يكون التغيير على حين فجأة والاصح على حين رحمة قدرية، لتتشكل من ركام الفوضى السياسية وصراع المناصب والمصالح حكومة (مدنية) بحق، مدنية بمعنى الموضوعية والعقلانية والهدوء والحكمة، عازمة على الخروج بالبلد الى بر الامن والامان والبناء والحياة.
وربما كانت اهم اختبارات رئاسة هذه الحكومة الصخب السياسي والتصعيد العسكري الذي يجتاح المنطقة منذ شهور، ويكون العراق جزءا منه بشكل من الاشكال -شاء ذلك ام ابى- لموقعه العربي والاقليمي الجغرافي والسياسي، ولظروف واقعه الذي تتنازعه هيمنات اقليمية متمثلة بمجاميع مسلحة قوية تريد ان تفرض ارادات الدول التي تقف وراءها وتجرّ البلد رغما عنه ليخوض عنها حربا بالنيابة تحميها وتحقق مصالحها.
هنا تبرز القوة العاقلة الحكيمة والحزم السياسي الهادئ متمثلا بالرئيس محمد شياع السوداني الذي قرر ان ينأى ببلده بعيدا عن دائرة الصراعات والحماقات مهما كانت الضغوط التي تفرض عليه والتي تصل احيانا الى التهديد بالاطاحة بحكومته !!!!
الا ان محمد شياع السوداني المستند الى اساس متين متمثل برضا اغلبية شعبية عظمى وبيد وذمة نظيفة لم تلوثها اموال الحرام او عمولات السحت وصفقات الفساد ، وسيرة وطنية خالصة لاتشوبها شائبة ولاء او عمالة خارجية، يمضي في طريق البناء والاصلاح الحكيم الذي اختطه لحكومته ووعد به منذ البداية، واضعا المصلحة الوطنية اولاً وآخراً، متجاوزا عقبات التحدي بصبر ودأب واصرار.
بهذه الرؤية ارى زيارة السوداني الاخيرة الى الولايات المتحدة الامريكية والتي توضح من اسماء وعناوين الوفد الذي اصطحبه فيها، انها زيارة بناء واعمار و رفاه اقتصادي وخدمات في كل مناحي الحياة، وان ارادات (الآخرين) عرباً واقليميين مهما بلغ قربهم وتوافقهم وتخادمهم مع العراق لايمكن ان تقدّم على مصالح البلد، واننا لن نخوض حروبا بالنيابة عن احد بعد الان لا عسكرية ولا سياسية ولا اقتصادية.
ان العراق بحاجة ماسة الى شراكة متينة مع القوة الاعظم في العالم التي تمسك بروح الاقتصاد والقوة السياسية والعسكرية ، وهو احوج مايكون الى عونها دعمها لا التقاطع معها كي يبدأ نهضته ويعيد كينونته ومكانته ويبني مستقبل اجياله القادمة.
ان اصرار السوداني على احياء اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وتفعيل بنودها في قطاعات جوهرية اقتصادية واستثمارية وزراعية وصناعية وتعليمية وثقافية وصحية وكذلك في الخبرات التكنلوجية والمناخية والبيئية، سيكون لها اثرها الواضح على حياة العراقيين جميعا في القريب العاجل، للانتقال الحقيقي الى مرحلة الرفاه التي يستحقونها بعد طول انتظار ونكوصات و خيبات.
هذا غير التعاون السياسي والامني الذي يحتاج فيه العراق الى قوة وثقل دولة عظمى كالولايات المتحدة لتعزيز استقراره وامنه وخروجه من دائرة الصراعات والتقاطعات الاقليمية.
واعتقد ان هذه الزيارة المهمة لا تستهدف الإعلان عن إنهاء مهمة التحالف كما تتمنى بعض القوى السياسية ذات الاجندات، بل سيترك هذا الامر لسير الحوار بين ممثلي البلدين في اللجنة العسكرية والامنية و تقديراتهم على وفق مصلحة البلد العليا فحسب، وان هذا التحالف المهم متفق عليه بين العراق والتحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية، بعيدا عن الخنادق والمحاور وان العلاقات المتوازنة التي يملكها العراق هي نقطة قوته وتميزه في المنطقة والتي تؤهله ليكون احد اهم عناصر الاستقرار، وذلك مابدا و انعكس واضحا عربيا واقليميا منذ بداية حكومة الرئيس السوداني الحكيم المتأني الهادئ الراسخ في خطواته وسياساته.
اعتقد ان السوداني يكتب فصلاً جديدا في فن صناعة التاريخ ولكن هذه المرة بعيدا عن صخب الدماء والحروب والصراعات، بلغة الحياة والبناء والرفاهية والسعادة والمستقبل الزاهر بالتعاون مع الجميع، بدءاً بالدولة الاعظم التي يزورها الان وانتهاءً باصغر دويلة في العالم حين تقتضي مصلحة وطنه وشعبه ذلك.
هذه هي القيادة والامانة وٍاخلاص الوطنية
وكل ما شهدناه سواها من سواه كان محض هراء وتخريب وعبث وغباء سياسي لا اعاده الله علينا.
ولتكن هذه الحقبة من حكم العراق مثالا ونموذجا نضعه امام الساسة الذين سيقودون البلد في المستقبل، كي يستمر عهد البناء والنهوض والاصلاح.
اترك تعليقاً