في ذكرى الطف الخالدة : لماذا كتب شعراء شيوعيون عن الحسين اجمل قصائدهم ؟
وليد الطائي
ساعات قليلة وتبدأ الحياة بارتداء الحزن ثوباً لها، حيثُ سيسجل مداد التاريخ حدثاً غيًر مجرى العالم، وحادثة ابقت الضمير البشري متوجعاً، حيث سيكون العاشر من محرم من العام 61 للهجرة، اكثر الأحداث ألماً، وأكثر الايام التي تذرف فيه البشرية الدموع في طقس جماعي، وحزن ازلي بقي في وجدان الانسانية، ولذا كانت بلاد ما بين النهرين، اكثر البلدان التصاقاً بهذا الحدث وهذه الواقعة.
لقد شكلت واقعة كربلاء المفجعة، واحدة من اكثر الايقونات المعنوية حضوراً في أدب هذه البلاد وثقافتها، حتى يومنا الحاضر، ولم يتوقف الأدباء والشعراء جيلاً بعد أخر، يمدون خيالهم لذلك المعين الصافي، وينهلون من رمزية الواقعة، ووهج الثورة الحسينية ما يشكل وعياً متقدماً للأمة.
لعل كثير من الدراسات والبحوث كتبت عن ارتباط الأدب العراقي بحادثة كربلاء، وكيف ان الحسين يحضر بشدة في وجدان الشاعر العراقي على وجه التحديد، كلما أراد ان يعبر عن قضايا الانسان المحاصر بالأوجاع والظلم والفواجع.
في عصرنا الحديث هذا كان الحسين، اكثر القضايا حضوراً في وجدان شعراء النهضة والحداثة في البلاد، حتى مع كون اغلب الأسماء الشعرية العراقية، ذات توجهات مدنية – يسارية، لكنها كانت تستحضر الحسين كلما حدثتنا عن كرامة الأنسان وحقه في البحث عن سلطة العدالة المنشودة.
فهذا شاعر الثورة الدائمة، امير شعراء عصره، ورسول اليسارية النقي، مظفر النواب يكتب في رائعته عن الحسين:
فضّةٌ من صلاة تعم الدخول
والحمائم أسراب نور تلوذ بريحانة
أترعتها ينابيع مكة أعذبُ
ما تستطيع
ولست أبالغ أنك وحيُ تواصل بعد الرسول
ومن المسك أجنحة وفضاء تـأتى
أعلو ويمسكني،
ويجذبني أن ترابك هيهات يُعلى عليه
وبعض التراب سماء تنير العقول
وليس ذا ذهب ما أقبّل
بل حيث قبّل جدك من وجنتيك
وفاض حليب البتول
لم يزل همماً للقتال ترابك
أسمع هول السيوف
ووجهك ينير الضريح
ويوشك ضريحك أن ينبلج عنك
أراك بكل المرايا على صهوة من ضياء
وتخرج منها فأذهل أنك أكثر منا حياة
ألست الحسين بن علي وفاطمة !
لماذا الذهول
قد تعلمت منك ثباتي
وقوة حزني وحيداً
فكم كنت يوم الطفوف وحيداً
ولم يكن أشمخ منك وأنت تدوس عليك الخيول.
فيما لا يستطيع شاعر بحجم وشعرية الراحل الكبير عريان السيد خلف، ان يتجاوز بشعره الحادث المركزي في الضمير الشعري الشعبي، حيث يقف عند الطف بقصيدته الشهيرة ( شريف الدم) والتي نقتطف منها :
معذورة الدموع عليك ماتنشف
معذورة الكلوب تهيم ليكم شوك
وتتعفر جباه الناس باارض الطف
اجيال وعصور تعاكبت وازمان
ودمك ياشربف الدم بعد ماجف
ياول رفض لمصافح العفنيين
وياول نعم للموت من يهتف
يااشرف اسم سماك جدك بيه
يااعظم بدر شع بالسمه وشرف
يالموتك خلاص من الظلم والحيف
وكبرك باب كعبة وكبتك مصحف
يبن ذاك المغيث الغوث جيت انخاك
اريدك بالشديدة وياي تتلطف
مثجل بالهموم لحد كطاع النياط
واطول الوسيعة على الكلب تكصف
يبن حيدر علي المادنك بصفين
يا حيد الطفوف ونعم ما خلف
انا بروحي الجروح تنوح منها جروح
وانت بحالتي يا ابن الزجية اعرف..
وهذا شاعر يساري اخر، معروف في اغترابه الطويل، لا يجد بين مفرادته العذبة سوى ان يستحضر الحسين في ضميره الشعري، حيث يرى بخياله الجامح، في مولد الحسين، عيداً لميلاد أمة جديد، ونهوضاً لقيم خالدة، يقول فالح حسون الدراجي في قصيدته التي قرأها بجسارة وتحدِ في جامع الزهراء بمدينة الثورة “مدينة الصدر حالياً” في مطلع تسعينات القرن الماضي :
الليلة عيد وخلِّي كلنه نحتفي … اسنين ماشفنه الفرح وأعياده
اذا مو بحسين بيمن نحتفي … وياهو يسوَه النحتفي بميلاده
حسين كَمرة ، والكَمر ما ينطفي .. وشعلته لآخر زمن وكَاده
حُبَه ثابت بالكَلب مايختفي … وجمره يلسع غصباً اعله أرماده
لكنه سرعان ما يذهب باتجاه العاطفة الاهم في ذكرى الحسين (عليه السلام)، حيث حضرت بين ثنايا ابياته المبتشرة واقعة الطف الدامية، فواصل قصيدته بهذا النحو:
ويوم طاح حسين في أرض الطفِ ، ألله مَد ايدَه لحسين أوساده
الرسول اغتاظ واحتد النبي … وبالسماء أتعطلت العبادة
حتى جبريل اختنكَ من البجي … يالهواشم طاح عين إكَلاده
دمعة طفرت من أبو اليمَّه علي .. وضلع من الزهرة شكَ أضماده
القضية اتهون لو بس ياعلي … عالحسين الطاهر وأولاده
لاتزال اسيوف تذبح ياعلي … بالحسين وشيعته وأحفاده
فيما يوثق شاعر الشجن والكلمة العذبة المعبرة، الشاعر الراحل، وهو تقدمي معروف، كاظم اسماعيل الكاطع، بلغته الكثيفة حادثة الطف، موظفاً فيها انتفاضة العزة والكرامة والأباء التي قادها الشعب العراقي في اذار 1991، حيث يقول الكاطع:
يكول
كلهن سولفتهن لو بعد منهن
شد عيني بعصابه
واخذني مغمض اندلهن
واندل وين مضمومات
واعرف ليش دافنهن
مثل شايب خلص عمره
وبقه بعود الصبه يدندن
انه كلما الوذ بهالتقيه واضحك اويه الناس
دمعاتي علي تفتن
شفت قصر الاماره ويم عبيد الله
تلاگه المستحيل اهناك والممكن
الجسد عالگاع….والراس بطشت… والجامع يأذن
…
وصدى ذيچ الشتايم من حرب صفين
من فوگ المنابر وأذني تسمعهن
ومن طبرة علي … الفجر بالمحراب
الجن من الانس معزيات
والنجمات دمّن باللطم خدهن
ودخان المخيم بعد جواه نار
ومن طبع الجروح التعتك تخزن
…
كل ما نسأل التاريخ… ياهو اليستحي منهن
يدفن راسه بچفوفه
يكول هواي بچّني وسجلهن ضاع
ومضيّع دفاترهن
عدا ذيچ الاجساد الطاهره الظلت ثلث تيام
ومن ذاك النزف
صار التراب بكربلاء ليّن
…
عدا چفوف الگمر عباس
ما ذب رايته واچفوف اديه ذبهن
عدا سوط الشمر حرّك ثنايا حسين
مدري شجاوبنه وبالعجل مدهن
عدا عيون الفواطم من مشت للشام
عين اعله التراب …
وعين تربي الجسد والدهن
…
عدا السجاد فوگ النوگ
واديه من السلاسل ظل ينّث دمهن
ومعرسين والزفهم طلع جناز
ومعرسات والحنه بعدهي بطرف اصابعهن
واگبور النجف … والغرّبوا بالليل
والگصّن گصايبهن
ونعوش الاطفال التنحمل … مو فوگ سيارات
چن رب السمه …. ببساط شايلهن
..
عدا اطلوگ الحوامل بالشته … بالواحد وتسعين
گبل ايّامهن والقصف جيّبهن
كل ما نسأل التاريخ
ياهو التستحي منهن؟
يگول هواي بچّني وبچه وياي الانس والجن
هدوم حسين لسه مبللات بدم
على حبال الشمس بيده النبي شرهن
اترك تعليقاً