معاوية بن ابي سفيان يتحدى السياسيين الشيـ عة….!!
سعد الاوسي
بحنكته ودهائه المعروف يطل علينا معاوية بن ابي سفيان ملك الدولة الاموية من عمق التاريخ بعد 1343 سنة من وفاته ليتحدى ساسة العراق الشيـ ـعة ويلطمهم على وجوههم واقفيتهم منتصرا بالضربة القاضية دون ان يحتاج هذه المرة الى قميص عثمان ، او تحكيم ابي موسى الاشعري،او عورة عمرو بن العاص !!!.
تُرى ما الذي انهض معاوية من قبره المنسي في دمشق،حاملاً صولجان التحدي والفتنة من جديد مثيرا كل هذا اللغط والصراع والضجيج ؟
ولماذا يلطم اوجه ساستنا الشيعة تحديداً دون خلق الله ؟؟؟!!!
وكيف سيردّ هؤلاء الملطومون المذلّون المهانون على الملك الأموي وهو راقد في غيبه السحيق محصّنا بموته و جهالة انصاره ومريديه؟؟؟!!!
ومن الذي يريد لمعاوية ان ينتصر على مشاعر وكرامة ثلاثمائة مليون شيعـ ـي في العالم ما يزالون منذ الف وثلاثمائة سنة باكين محسورين على مافعله هذا الرجل وابنه يزيد ضد امامهم الاعظم علي بن ابي طالب و ابنه الحسين سيد شباب اهل الدنيا والآخرة عليهما السلام ؟!
تبدأ حكايتنا منذ قررت المملكة العربية السعودية انتاج مسلسل درامي عن سيرة الملك الأموي معاوية بن ابي سفيان عبر قناتها الفضائية المعروفة MBC وبميزانية ضخمة جدا ربما تكون هي الاعلى في تاريخ الدراما العربية،جاوزت الخمسين مليون دولارا !!!
و كان لابد لانتاج درامي ضخم عن شخصية تُعدّ الاكثر جدليّة و خلافاً في التاريخ الإسلامي، ان يثير الشجون ويحرّك غصص القلوب ويعيد الى الواجهة ارث صراع الفتنة الكبرى الذي فرّق المسلمين وقسّمهم الى شيـ ـعة علي بن ابي طالب وانصار معاوية بن ابي سفيان، منذ مقـ تل الخليفة عثمان بن عفان حتى الآن.
(سأحاول جاهدا ان لا ادخل في فخّ الاستعراض التاريخي، واكتفي بإحالة من يسأل او ربما يعاند ويستجهل الى امهات كتب التاريخ التي وثّقت تلك الحقبة بأدقّ تفاصيلها، و أبانت بيقين قاطع اهل الحق من اهل الباطل في ذلك الصراع ) بعد ان خرج والي الشام (معاوية) رافعاً راية العصيان والتمرد على الخليفة الراشدي امير المؤمنين علي بن والحاكم الشرعي المنتخب المبايع على السمع والطاعة علي بن ابي طالب عليه السلام ، وهي كتب ومصادر و روايات سطّرها كبار علماء ومؤرخي اهل السـ نة وليس شيـ ـعته الموالون ، واشهرهم محمد بن جرير الطبري صاحب المصنّف الاهم (تاريخ الامم والملوك) وابن الاثير الجزري صاحب (الكامل في التاريخ) و ابن كثير اسماعيل بن عمر الدمشقي صاحب (البداية والنهاية) وسواهم عديدون آخرون.
ومنذ اعلان ال MBC عن انتاج هذا المسلسل الذي كتبه الصحفي المصري خالد صلاح واثنان من كتاب السيناريو السوريين وأخرجه المخرج الفلسطيني طارق العريان، والدنيا تقوم وتقعد بمقالات تملأ الصحف والمواقع الالكترونية واخبار واشاعات و مناجزات و تنابزات وشدّ وجذب في العديد من بلاد العرب والمسلمين بين مؤيّدٍ و شاجب.
وهو امر متوقّعٌ وربما كان عامداً مقصودا.
– مقصودٌ لاثارة الفتنة واعادة التنافر والصراع الطائـ في بين الشيـ ـعة والسـ نة الى الواجهة من جديد، بكل ارثه الدامـي المرير.
-ومقصودٌ لإحداث زوبعةٍ اعلامية تجعله المتصدّر الأول بين الاعمال الرمضانية كي تحافظ به ال MBC على موقعها في صدارة القنوات العربية في السباق الدرامي الرمضاني.
-ومقصودٌ لما أثير عن كواليس مصادر تمويله وانتاجه، حيث يقال انها اموال بعض المنظمات والاحزاب الاسلامية المتطرفة وكذلك بعض الاثرياء ورجال الاعمال الاسلامويين، كنوع من الرد على الشيـ ـعة بسبب كرههم وعدائهم لهذه الشخصية التي تعدّ احد نقاط خلافهم الرئيسة مع السـ نة.
والا فما معنى ان يكون العمل التاريخي الاضخم والاكثر كلفةً في الدراما العربية (سينما ومسرح وتلفزيون) حول معاوية بن ابي سفيان تحديداً ؟!
ترى كيف سيستطيعون في اطار تلميع صورته ان يتجاوزوا احداثاً ومحطات مهمة في التاريخ، بدءاً من حملته العسكرية على اليمن بجيش بسر بن أرطأة الذي ارتكب من جـ رائم القـ تل الوحـ شية بحق الرجال والنساء والاطفال المسلمين ما يندى له جبين الانسانية وليس الاسلام فحسب.
ومروراً بحوادث اغتـ يال اغلب خصوم ابنه يزيد ومنافسيه على الخلافة بالسم، الحسن بن علي بن ابي طالب عليه وعلى ابيه السلام و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومالك بن الاشتر ابرز رجال وانصار الامام علي عليه السلام ، وهو في طريقه الى تسلّم ولاية مصر بأمر من أمير المؤمنين الشرعي ؟؟؟!!!
ماذا سيقولون عن قـ تل ابن الخليفة الراشدي الاول محمد بن ابي بكر ووضعه في جوف حمار نافق ثم حـ رق جثّـ ـته ؟؟؟!!!
وماذا عن قـ طع رأس الصحابي المجاهد الجليل حجر بن عدي لانه رفض الانصياع لهم بلعن الامام علي حين خيّروه بين حياته َوهذا الفعل !!!!
كيف سيتجاوزون امر معاوية في بواكير ايام استلامه للحكم الى كل خطباء الجمعة في ارجاء بلاد الاسلام بلـ ـعن الامام علي على المنابر !؟؟
وعليٌّ اول من اسلم وآمن وصدّق برسالة محمد (صلى الله عليه وعلى ال بيته الطاهرين )
وعليٌّ هو الوحيد الذي كرّم الله وجهه الطاهر بين الصحابة حيث لم يسجد لصنم قط.
و عليّ ابن عم النبي وزوج ابنته البتول وباب مدينة علمة وسيفه البتار في معاركه، و وصيّه بعد موته وحامل لوائه الذي قال عنه من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه،
والنائم في فراشه بانتظار المـ وت فداءً لنبيه العظيم.
وهو منه بمنزلة هارون من موسى إخاء و محبةً ومكانة.
هل سيغفل المسلسل كل هذه الوقائع التي ذكرتها كل مصادر وكتب التاريخ ؟!
اليس من الامانة والعدالة اذا ارادوا استعراض حياته ان يُظهروا محاسنه واخطاءه معاً، توخياً للصدق والموضوعية !!؟؟؟
لا اعلم كيف سيظهرون مشهد صراخه الأخير وهو يحتضر مرتعباً من الهول الذي ينتظره فيقول : مالي و لحجر بن عدي، مالي ولحجر بن عدي، إن يومي معه لطويلٌ امام الله ؟؟؟!!!
لم اكن انوي ان ادخل في ثنايا تاريخ هذا الرجل كما اسلفت، و آثرت ان أؤجل ذلك الى ما بعد عرض المسلسل في رمضان، الا ان الشجى يبعث الشجى كما يقال، والحقيقة تأبى إلا ان تُطلّ برأسها رغم انف المسلسلات التي يراد منها ان تعيد كتابة التاريخ بالدولارات !!!.
أغاضتني جدا التصريحات المسرحية التي اطلقها السياسيون العراقيون الشيـ عة ضد مسلسل معاوية بن ابي سفيان مطالبين بمنعه من العرض، ليس لانني راضٍ عن المسلسل طبعاً بل لان الامر يجب ان يكون عندهم اكبر بكثير من الشجب والاستنكار، فهم ليسوا مثلنا بلا حول ولا قوة، لانملك من وسيلة الا الرفض والغضب والحزن والبكاء باصواتنا واقلامنا فحسب.
لكنهم ولاة امر وحاكمون قادرون يمسكون بزمام كل شئ، زمام دولة بكامل قوتها وثروتها وحضورها وثقلها ومكانتها، ولم يكونوا ليجلسوا على كراسي سلطتها ويصبحوا حكّامها وساسة شؤونها الا باسم اهل البيت عليهم السلام وحبهم ونصرة وشيعتهم المضطهدين المظلومين.
لذلك لن نقبل منهم ابداً تصريحات الاستنكار والرفض والمطالبة بالمنع فحسب، لان ذلك أضعف من أضعف الايمان قياساً الى مايدعونه في عقيدتهم ومسؤوليتهم والتزامهم وواجبهم تجاه اهل بيت النبوة ومهبط الوحي والتنزيل ومعدن الرسالة عترتهم الائمة المعصومين عليهم السلام .
ماذا فعلوا طوال عشرين سنة من الحكم لايفاء حق هؤلاء الاقداس ؟!
أليس ادنى حقوقهم ان نرفع اسماءهم وننشر سيرهم العطرة ونحيي ذكرهم في الآفاق وبكل مافي وسائل الدنيا من وسائل ؟؟؟!!!
لماذا لم يفكروا طوال عشرين سنة خلت ان ينتجوا اعمالا تلفزيونية وسينمائية عنهم وهي اعظم وسائل الافهام والترويج والتلقي في هذا العصر، بينما فكّر (الآخرون) بتخليد رموزهم بمثل هذه الاعمال التي يبقى اثرها في ذاكرة جيل تلو آخر، ومنها هذا المسلسل(معاوية بن ابي سفيان) الذي يُتوقّع لها ان يحرف عنق الحقيقة والتاريخ ليخدم فكر وعقيدة واهداف مموليه ورعاته ؟؟؟!!!
هل احتاج ان اضرب لكم مثلاً على قدرة الدراما السحرية على التثقيف المُوجّه وتغيير القناعات او ان تكون مصدر المعرفة التاريخية الوحيد للاغلب الاعم من الاجيال الجديدة العازفة عن القراءة والاطلاع الكتبي والساعية الى السينما والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي كمادة أساسية للتثقيف المعلوماتي ؟؟؟
اكاد اجزم ان فيلم الرسالة هو المصدر الرئيس لثقافة اكثر من جيل فينا عن بدء الرسالة المحمدية وماجرى من احداث تاريخية في تلك الحقبة.
واجزم ايضاً ان الاغلب الاعم من المسلمين شيـ ـعةً وسـ نة عرباً و سواهم لا يعرفون شيئا يعتدّ به عن سير ائمتنا العظام عليهم السلام الذين هم سادة شباب اهل الدنيا والآخرة اعلام القدوة والهداية.
ليس لنا ان نطالب بمنع عرض مسلسل معاوية مهما كان فيه من خلاف واختلاف مع عقائدنا وثوابتنا، لان المنع كما اثبتت الكثير من التجارب لا يمنع ولايقطع بل يزيد الممنوع انتشاراً وشهرة وتأثيراً.
كان ومايزال علينا ان نرد على مثل هذه المسلسلات بضدّها النوعي ومن ذات جنسها ومادتها، اي ان نرد عليها باعمال درامية اضخم وانجح واكثر دقةً ومصداقية.
لقد حاولت قبل ثلاث او ربما اربع سنوات ان اسهم في انتاج عمل عن اهم حدث في التاريخ الاسلامي بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، والذي يعدّ الشرخ الاعظم في التاريخ الاسلامي وهو ثورة الامام الحسين عليه السلام ومقتله، بدءاً من تولي معاوية بن ابي سفيان الحكم في 41 هجرية بعد استشهاد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، وحتى محرم 61 هجرية باستشهاد الامام الحسين. بعد ان اكتشفت اثناء قراءتي وبحثي في هذه الحقبة الزمنية ان اكثرنا – شيـ عةً وسـ نة- لا نعرف الا القليل عما حدث، وان هنالك ضرورة قصوى لانتاج هذا العمل باعتماد مصادر التاريخ التي كتبها السـ نة فقط واستبعاد المصادر الشيـ عية، لابعاد مظنة الانحياز في السرد التاريخي وهي التهمة الاولى التي يجابهوننا بها كلما جمعنا حوار او أُريد توهين حججنا ورواياتنا ومصادرنا.
لذلك آليت على نفسي ان لا اعتمد في البحث والكتابة الا من المصادر التي لاخلاف ولا اختلاف عليها عندهم ، وقد وجدت فيها ما ينصف حقوق ائمتنا ويروي حقيقة المظالم والجـ رائم البشعة التي تعرضوا لها وهم يدافعون عن القول الحق ويؤدون امانة الامامة التي في اعناقهم.
واستعنت في كتابة مسلسل الحسين بأحد الكتاب الكبار اثناء وجودي في مصر طوال سنتين. وقد قطعنا شوطا في الكتابة ربما بلغ ربع المسلسل تقريباً بعد سنة كاملة من القراءة والبحث المضني، وقررت ان اعرض الامر على المسؤولين والسياسيين الشيـ عة لوضع الميزانية الانتاجية للمسلسل، كي تكون حافزا لاكمال الكتابة والمضي قدما في المشروع، ولكنني فوجئت انهم جميعا غير مهتمين وغير معنيين لا بالحسين ولا بمقتله ولا بأمه وأبيه عليهما السلام، لذلك تجاهلوا الفكرة ولم يعيروها اهتمامهم او رعايتهم بالمرة، كانوا يسمعون ولا يعلقون، لان عقولهم وقلوبهم لم يعد فيها متسع للحسين بعد ان ملأتها العمولات والصفقات والرشى واثقلها التفكير بعشرات ومئات وآلاف ملايين الدولارات التي سرقوها وكيف عليهم ان يغسلوها ويخفوها في المصارف العالمية دون خوف من حساب او ملاحقة.
تخيلوا ان هؤلاء الاوغاد الذين يدعون انهم شيـ عة امير المؤمنين عليه السلام، لديهم 90 مصرفا و 70 قناة فضائية وميزانية دولة نفطية غنية باكثر من مائة مليار دولار وعقود وصفقات يسرقها كل من هب و دب باسم الطائفة ، تعجز عن تمويل مسلسل درامي ربما لاتتجاوز تكلفته 15 او 20 مليون دولار عن اهم حدث في عقيدتهم وتاريخهم الديني !!!
ثم يأتون اليوم بكل صلافة و صفاقة معترضين على ان (الطرف الاخر) فكّر واجتهد وفعل ما تهربوا هم من فعله، بانتاج عمل او اعمال تخلّد رموزهم وتزيح عن تاريخها الاوزار والاوضار التي علقت بها حتى وان كان بقليل من التحريف او التعديل او التحوير.
تذكروا ايها السياسيون الشيـ عة ان مسلسل معاوية بن ابي سفيان ليس سوى صفعة ساخنة على وجوهكم التي اترفها المال الحرام،
وربما سننتظر واياكم بعد النجاح المتوقع لهذا المسلسل، انتاج مسلسل آخر في رمضان السنة القادمة من قناة ام بي سي عن يزيد بن معاوية الذي يدعون انه لم يقـ تل الحسين ….!!
اترك تعليقاً