حجيّة الأحكام الدستورية والعدول عنها .. الجزء الثاني
بقلم أياد السماوي
في الجزء الاول من هذا المقال كنّا قد تناولنا موضوع الأحكام الدستورية والعدول عنها , وأوضحنا أنّ هتالك حالات يجوز فيها العدول عن الحجيّة المطلقة للأحكام الدستورية , وأوضحنا أنّ بعض المحاكم الدستورية في أوربا والولايات المتحدّة الأمريكية قد اتجهت إلى العدول عن رأي سابق تبّنته لسبب أو لآخر , وأوضحنا رأي بعض فقهاء الدستور كالدكتور أحمد كمال أبو المجد أنّه ( بإمكان المحكمة الدستوورية العليا العدول عن بعض أحكامها القديمة التي أصبحت لا تواكب تطورات المجتمع ) .. لذلك فإنّ العدول عن مبدأ سابق يمّثل نوعا من الملائمة وفق الظروف السائدة , ونستخلص من كلّ ذلك أنّ المحاكم الدستورية لم تترّدد في العدول عن بعض أحكامها القديمة ومنها من يقرّر ذلك صراحة بأن عدلت عن رأيها السابق , ومنها من تكتفي بتقرير مبدأ مخالف لما كان قضاؤها القديم قد قيم عليه .. لذلك فأنّ ما تضمنته المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 والتي نصّت على ( للمحكمة عند الضرورة وكلّما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة أن تعدل عن مبدأ سابق أقرّته في إحدى قراراتها على أن لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة ) فإنّ ذلك جاء مسايرا لما تأخذ به أغلب المحاكم الدستورية ولا يتعارض مع أحكام المادة (94) من دستور الجمهورية العراقية لسنة 2005 والتي نصّت على ( قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ) , لا سيّما أنّ مبدأ العدول يعتمد على أساسين حوهريين .. الأول هو وجود ضرورة وفي ضوء وجود المصلحة الدستورية , أي عدم مخالفة العدول للدستور وتحقق المصلحة العامة للبلد من ذلك العدول .. والأساس الثاني هو يجب أن لا يمس ذلك العدول استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة , وأنّ عدم المساس بتلك المراكز والحقوق يعني عدم مساس العدول بالمبادئ الاساسية والحقوق والحريات المنصوص عليها في جمهورية العر اق .. لكنّ الغريب أن تتصدّى بعض الأصوات غير العليمة بهذا المبدأ لتشنّ هجوما غير مبرّرا على المحكمة الاتحادية وتتهمها بأنّها قد تحوّلت إلى حزب سياسي .. وقد قال الله في محكم كتابه المجيد ( بسم الله الرحمن الرحيم .. إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إنّ في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنّه هو السميع البصير ) .. وتضمن عهد الأمام علي ( عليه السلام ) لمالك الأشتر ( ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور , ولا تمحكه الخصوم , ولا يتمادى في الزلّة , ولا يحصر من الفى إلى الحق إذا عرفه , ولا تشرف نفسه على طمع , ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه , وأوقفهم في الشبهات , وآخذهم بالحجج , وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم , وأصبرهم على كشف الأمور , وأصرمهم عند اتضاح الحكم , ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء , وأولئك قليل ) .. نسأل الله تعالى أن تكون هذه المساهمة المتواضعة قد أوضحت ولو بشكل بسيط موضوع الأحكام الدستورية والعدول عنها ..
اترك تعليقاً